التفاصيل

المحكمة الاتحادية العراقية: تعزيز فلسفة التداول السلمي للسلطة وترسيخ قيم الديمقراطية.

المحكمة الاتحادية العراقية: تعزيز فلسفة التداول السلمي للسلطة وترسيخ قيم الديمقراطية. د. ماجد الربيعي في خطوة قانونية تحمل أبعاداً فلسفية عميقة، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية قراراً مؤثراً في الدعوى المرقمة 129/اتحادية/2024، الذي تجاوز كونه حكماً قضائياً إلى رؤية قانونية تؤسس لمبدأ جوهري في النظام الديمقراطي العراقي. قرار المحكمة برفض الطعون المقدمة من عدد من النقباء والاتحادات المهنية الأخرى حول تحديد مدد شغل المناصب، يوجه رسالة قوية ضد الاحتكار ويدعو إلى تكريس التداول السلمي للسلطة داخل المؤسسات المهنية والنقابية. يأتي هذا القرار في ظل الدعوى التي رفعها عدد من النقباء والاتحادات المهنية للطعن بعدم دستورية المادة التي تنص على عدم جواز انتخاب النقيب لأكثر من دورتين متتاليتين. رفض المحكمة لهذه الطعون يعكس موقفاً حاسماً يحترم حق تداول المناصب وتجديد القيادة، مؤكداً على مبدأ التداول السلمي للسلطة كأحد أسس العمل المؤسسي الديمقراطي. يمثل هذا القرار فهماً عميقاً لفلسفة الحكم الرشيد، حيث لا يعد التداول السلمي للسلطة قاعدة تنظيمية فحسب، بل هو جوهر النظام الديمقراطي. فإتاحة الفرصة لأفراد جدد لشغل المناصب القيادية تضخ دماءً جديدة وأفكاراً متجددة في المؤسسات، مما يعزز من فعاليتها ويمنع تكلس الأفكار. إن تقييد فترات شغل المناصب يسهم في منع استغلال السلطة ويضمن الشفافية، مما يدعم بناء الثقة بين الأعضاء والجمهور تجاه المؤسسات. يعكس هذا القرار التزام المحكمة بتطبيق الدستور العراقي الذي يؤكد في مواده على احترام حقوق الأفراد وتكافؤ الفرص وحماية حرية التعبير. فالدستور يكرس روحاً ديمقراطية تدعو إلى اعتبار المناصب أمانة تُسلم لفترة زمنية محددة، وليست امتيازات مفتوحة. ومن هذا المنطلق، يأتي قرار المحكمة ليطبق هذه المبادئ الدستورية ويؤسس لسابقة قانونية تضمن عدالة التمثيل في الهيئات والنقابات المهنية بما يصب في مصلحة الجميع. يرسخ هذا القرار مفهوم التداول السلمي للسلطة كقيمة جوهرية للديمقراطية الحديثة. في ظل رغبة بعض الأفراد والمؤسسات في التمسك بالمناصب إلى أجل غير مسمى، يأتي هذا القرار ليؤكد على أن السلطة ليست حكراً على أحد، بل هي وسيلة لتقديم الخدمة في إطار زمني محدد، يتيح الفرصة للمزيد من الأفراد للإسهام في البناء المؤسسي. هذا التوجه يعزز التوازن والاستقرار في المجتمعات الديمقراطية، ويؤكد على أن التمسك بالسلطة لفترات طويلة يضر بالنظام المؤسسي وقد يؤدي إلى تحجيم دوره. لاقى قرار المحكمة الاتحادية استحساناً واسعًا في الأوساط القانونية والمجتمعية، حيث اعتبره الكثيرون خطوة جريئة تعزز مبادئ الديمقراطية وتطبيق الدستور بصورة عملية. يرى العديد من المراقبين أن هذا القرار يرسخ مبادئ الشفافية والمساواة، ويظهر المحكمة كحامية لحقوق الأفراد وضامنة للعدالة المؤسسية. أشادت منظمات حقوق الإنسان والناشطون الديمقراطيون بهذه الخطوة، معتبرين أن القرار يمثل تطوراً إيجابيًا نحو سيادة القانون في العراق. يُعد قرار المحكمة الاتحادية خطوة هامة نحو بناء نظام مؤسسي ديمقراطي يعتمد على التداول السلمي للسلطة. يأتي هذا القرار في ظل تحديات عديدة تواجه العمل النقابي والمؤسسي في العراق، ليؤكد أن المناصب القيادية يجب أن تكون وسيلة لخدمة المجتمع، وليس غاية يسعى البعض لاحتكارها. يعزز هذا القرار مستقبل العمل النقابي والمؤسسي في العراق، ويؤسس لرؤية عراقية نحو بناء مؤسسات عادلة تحترم الدستور والقوانين، وتعمل على تكريس سيادة القانون. يتجاوز قرار المحكمة الاتحادية بُعده القضائي ليصبح موقفاً فلسفياً يعزز من مبادئ الديمقراطية ويؤسس لمجتمع يتطلع إلى نظام قانوني قائم على مبدأ تداول السلطة بانتظام. يمثل هذا القرار خطوة نحو بناء مجتمع يرفض الاحتكار ويؤمن بتجديد القيادات لتحقيق كفاءة أكبر في المؤسسات. بهذا، يرسخ العراق رؤيته المستقبلية كدولة تضع حقوق الأفراد والعدالة في صميم العمل المؤسسي، وتسعى إلى نظام قضائي يوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات الإدارة العادلة، في سبيل تحقيق مجتمع ديمقراطي متماسك ومستدام.