التفاصيل

مفارقة العفو العام: سقوط العقوبات الأصلية للهارب وبقاء التبعية والتكميلية لمن امتثل للقانون!

مفارقة العفو العام: سقوط العقوبات الأصلية للهارب وبقاء التبعية والتكميلية لمن امتثل للقانون! د. ماجد الربيعي يعد العفو العام أحد الأدوات القانونية المهمة التي تلجأ إليها الدول لتحقيق المصالحة المجتمعية، وتخفيف حدة العقوبات في بعض الحالات الاستثنائية. إلا أن نطاق تطبيقه يثير جدلاً قانونياً، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات التبعية والتكميلية، ومدى شمولها بالعفو العام في حال تنفيذها قبل صدوره. فهل يجوز أن تبقى هذه العقوبات قائمة بحق من امتثل للقانون ونُفذت بحقه، بينما يُعفى منها من لم يمثل أمام القضاء؟ تنظم المادة (153) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 الآثار القانونية للعفو العام، حيث تقضي بانقضاء الدعوى الجزائية ومحو حكم الإدانة وسقوط جميع العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية، لكنها تؤكد في ذات الوقت أن العفو لا يكون له أثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات، ما لم ينص قانون العفو صراحةً على خلاف ذلك. ومن هذا النص، يتضح أن القاعدة العامة تمنع تطبيق العفو بأثر رجعي على العقوبات المنفذة، ما لم يرد نص قانوني خاص بذلك. أما قانون العفو رقم (27) لسنة 2016 المعدل، فقد نص في مادته الأولى على منح العفو العام للمحكومين بالإعدام أو بالعقوبات السالبة للحرية، سواء كان الحكم وجاهياً أم غيابياً، وسواء اكتسب درجة البتات أم لم يكتسب، دون المساس بالمسؤولية المدنية أو التأديبية أو الانضباطية. إلا أن هذا القانون لم يتناول بشكل صريح مسألة العقوبات التبعية والتكميلية التي تم تنفيذها قبل صدوره، مما يستوجب الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في قانون العقوبات. الإشكالية القانونية في شمول العفو بالعقوبات التبعية والتكميلية من حيث المبدأ، فإن العفو العام يؤدي إلى محو حكم الإدانة وسقوط العقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية باعتبارها مترتبة على العقوبة الأصلية، وهو ما أكدته المادة (153) بوضوح. ولكن عند النظر إلى العقوبات التي تم تنفيذها قبل صدور العفو، نجد أن القانون يمنع إلغاءها بأثر رجعي إلا إذا نص قانون العفو صراحةً على ذلك، وهو ما لم يحدث في قانون العفو لعام 2016. ونتيجة لهذا الوضع، تبقى العقوبات التبعية والتكميلية التي تم تنفيذها تبعا او تكميلا للعقوبة الاصلية قائمة ونافذة، بينما تسقط تلك التي لم يتم تنفيذها بعد، مما يخلق تناقضا قانونياً واضحاً بين من نُفذت بحقه العقوبات وبين من لم تنفذ عليه بعد، أو من كان هارباً ولم يمثل أمام القضاء أساساً. التناقض بين موقف المحكوم والهارب يؤدي هذا التفسير القانوني إلى نتيجة غير عادلة تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون، حيث يُترك الشخص الذي امتثل أمام القضاء ونُفذت بحقه العقوبات التبعية والتكميلية دون أن يتمكن من استعادة حقوقه، في حين يُمنح المتهم الهارب الذي لم يخضع للمحاكمة إعفاءً تاماً من جميع العقوبات، بما فيها التبعية والتكميلية. وهذا الأمر لا يتماشى مع مبادئ العدالة، إذ كيف يمكن أن يكون موقف من خضع لإجراءات المحاكمة ونفذ العقوبة أشد سوءاً من موقف شخص هارب من العدالة؟ فعلى سبيل المثال، قد يتعرض شخص مدان لعقوبات تبعية كفقدان بعض الحقوق المدنية أو المنع من ممارسة مهن معينة، وتظل هذه العقوبات نافذة بحقه رغم صدور العفو، بينما قد يتمتع شخص آخر بنفس وضعه القانوني بالعفو التام دون أن يخضع لأي إجراءات قضائية. هذا التناقض لا يخلق فقط ازدواجية في تطبيق العفو، بل يضرب جوهر فكرة العدالة، حيث يُكافأ الهارب بينما يُعاقب الملتزم بأحكام القانون. الحاجة إلى تعديل قانون العفو بناءً على ما تقدم، فإن الحل الأمثل لهذه الإشكالية القانونية يكمن في إعادة النظر في قانون العفو العام وإجراء تعديل تشريعي يسمح بشمول العقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية التي تم فرضها تبعا للعقوبات الاصلية المنفذة قبل صدوره. فمن غير المنطقي أن يُعفى شخص من جريمة ارتكبها ولم يمثل أمام القضاء، بينما يُحرم شخص آخر من استعادة حقوقه رغم أنه خضع للمحاكمة ونفذ العقوبة. إن العدالة تقتضي توحيد المعاملة القانونية بين جميع المحكومين، سواء كانوا ممن نُفذت بحقهم العقوبات أو ممن لم تنفذ بعد، أو حتى من كانوا متهمين هاربين وقت صدور العفو. يتضح من التحليل القانوني أن العفو العام يشمل العقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية، لكنه لا يمتد بأثر رجعي إلى ما تم تنفيذه منها قبل صدوره، ما لم يرد نص صريح بخلاف ذلك، وهو ما لم يتضمنه قانون العفو رقم (27) لسنة 2016. وعليه، فإن الأفراد الذين فقدوا حقوقهم المدنية أو تعرضوا لعقوبات تبعية قبل صدور العفو لا يمكنهم استعادتها تلقائيًا، ما لم يصدر تشريع جديد يعيد النظر في هذه المسألة. ومن باب تحقيق العدالة، يتعين على المشرّع العراقي إعادة النظر في نصوص العفو العام لضمان عدم خلق فجوة قانونية بين المحكومين والهاربين، وتصحيح هذا التفاوت لضمان العدالة والمساواة أمام القانون.