دعم الموقف القانوني لضحايا الاتجار بالبشر من خلال منحهم أذون الأقامة المؤقتة أو الدائمة

ماجد الربيعي






في الكثير من الحالات لا يكون للأشخاص المتجر بهم وضع قانوني يؤهلهم للإقامة في دولة المقصد. أما لأنهم وصلوا إليها على نحو غير قانوني أو إن إذن إقامتهم قد انقضى اجله ونتيجة لذلك قد يخشون طردهم من الدولة إذا ما ابلغوا السلطات عن وقوعهم ضحايا الاتجار أو إذا ما وجه انتباه الشرطة في أثناء مسار تحقيق ما إلى وجودهم غير القانوني في الدولة، وهذا الخوف – الذي له ما يبرره في الدول غير الراعية في مساعدة الأشخاص المتجر بهم على تسوية وضع إقامتهم-يحرم ضحايا الاتجار من سبل الحصول على الحماية كما يعني إن حضورهم لن يكون متاحاً لتقديم المساعدة في ملاحقة المتجرين قضائياً. لذا سنوضح في هذا المقال قيمة منح الضحايا “فترة تفكير” يستطيعون من خلالها بدء التعافي من تجربتهم واتخاذ قرارات على بينة بشأن مستقبلهم، ووضع إقامة ضحايا الاتجار وفقاً لبروتوكول الاتجار بالأشخاص وعندما يقرر انه من المناسب أن يعاد الضحايا إلى بلدهم الأصلي فان بروتوكول الاتجار بالأشخاص يلقي على عاتق الدول الأطراف التزامات فيما يتعلق بإعادة الضحايا وإعادة إدماجهم.
كما إن طرد الضحايا أو إعادتهم الفورية إلى أوطانهم كلاهما أسلوب لا يشجع الضحايا على تقديم أدلة الإثبات اللازمة أو الإدلاء بالشهادة بشأن إدانة المتجرين ويتنافى مع حقوقهم الأساسية بصفتهم ضحايا لذلك فان إتاحة فترة التفكير التي يعقبها منح إذن إقامة مؤقتة أو دائمة هي الأسلوب المثالي الذي يتبع مع ضحية الاتجار، بصرف النظر عما إذا كان الشخص المتجر به قادر على الإدلاء بشهادة أو راغباً في ذلك وهذا يساعد الدول على الوفاء بالتزامها الخاص بحماية حقوق الإنسان للأشخاص المتجر بهم، وتجنب خطر معاملة أولئك الأشخاص كمجرد وسائل في نظام العدالة الجنائية.


أولا: فترة التفكير
إن فترة التفكير من أفضل الممارسات والتدابير الإنسانية الفعالة الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان للأشخاص المتجر بهم فهي تتيح للضحايا إمكانية البدء بالتعافي من محنتهم واتخاذ قرار على بينة بشأن
ما إذا كانوا يرغبون بتقديم المساعدة والتعاون في إطار الإجراءات الجنائية. وبالنسبة للعديد من ضحايا الاتجار الذين يكون وضعهم بالنسبة للهجرة مخالفاً للقانون تضمن لهم فترة التفكير إمكانية الحصول على المساعدة والدعم على نحو مناسب كالمسكن الآمن والخدمات الطبية والاجتماعية والاستشارات القانونية.
وهذه الحماية التي توفر للضحية تفيد في زيادة الثقة بالدولة ومقدرتها على حماية مصالحه، وبعدما يتعافى الشخص المتجر به من محنته وقد تكونت لديه الثقة بالدولة فمن الأرجح أن يتخذ قراراً على بينة وان يتعاون مع السلطات في جمع المعلومات الاستخباراتية وملاحقة المتجرين.
وقد نصت بعض الاتفاقيات الدولية على إلزام الدول الأطراف بمنح الضحايا فترة تعافي وتفكير. ومنها اتفاقية مجلس أوربا بشأن إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر (2005) في المادة (13/1) على انه” ينص كل طرف في قانونه الداخلي على فترة للتعافي والتفكير لا تقل عن 30 يوم، عندما تكون هناك أسباب معقولة للاعتقاد إن الشخص المعني ضحية، وتكون تلك الفترة كافية لتعافي الشخص المعني وإفلاته من نفوذ المتجرين ولكي يتخذ قراراً على بينة بشأن التعاون مع السلطات المختصة. وخلال هذه الفترة لا يجوز إنفاذ أي أمر بالطرد صدر ضده ولا يمس هذا الحكم بالأنشطة التي تضطلع بها السلطات المختصة في جميع مراحل الإجراءات الوطنية ذات الصلة خصوصاً عند التحقيق في الجرائم المعنية وملاحقة مرتكبيها قضائياً وتأذن الأطراف للأشخاص المعنيين بالبقاء في إقليمها أثناء هذه الفترة “، كما نصت بعض الدول في تشريعاتها على منح الضحايا فترة تفكر ومن هذه الدول:
– جورجيا: يحق لضحية الاتجار بمقتضى المادة 12 من قانون جورجيا لمكافحة الاتجار بالبشر لعام (2006) أن يمنح فترة تفكير مدتها (30يوم) ليتخذ قراراً بشأن ما إذا كان يرغب في أن يتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون في الإجراءات المتعلقة بالجريمة وتبدأ فترة التفكير من التاريخ الذي يقدم فيه الشخص طلباً إلى دار إيواء أو أحد أجهزة إنفاذ القانون أو مؤسسة مختصة.
يمنح القانون رقم (241) الصادر في 20/تشرين الأول/2005 بشأن منع ومكافحة الاتجار بالبشر في مولدوفا بموجب المادة 24 فقرة /4 فترة تفكر مدتها (30 يوم) يمنع خلالها تنفيذ أي أمر بالطرد وخدمات الحماية والمساعدة ليست مشروطة باستعداد الضحايا لان يدلوا بأقوال أو يساهموا في ملاحقة المتجرين قضائياً.
ثانياً: أذون الإقامة المؤقتة أو الدائمة للضحايا
ينبغي أن يكون لضحية الاتجار بالبشر الحق في طلب الإقامة في بلد المقصد فقد تكون إعادة الضحايا الفورية إلى أوطانهم غير مرضية سواء للضحايا أو لسلطات إنفاذ القانون التي تسعى إلى مكافحة هذا الاتجار. أما بالنسبة إلى الضحايا فان هذه الإعادة قد تجعلهم أو قد تجعل عائلاتهم في بلد المنشأ عرضة للانتقام من قبل المتجرين منهم، وأما بالنسبة إلى أغراض سلطات إنفاذ القانون فان الضحايا إذا ما استمروا في العيش سراً في البلد أو إذا ما اخرجوا منه فوراً فأنهم لا يمكنهم حينذاك تقديم معلومات تساعد على مكافحة الاتجار على نحو فعال، ومن ثم فان بقدر ما تزداد ثقة الضحايا بان حقوقهم ومصلحتهم ستصان تزداد كذلك قدرتهم على تقديم المعلومات الضرورية.
فقد نص بروتوكول الاتجار بالأشخاص في المادة (7) على انه ” تنظر كل دولة طرف في اعتماد تدابير تشريعية أو تدابير أخرى مناسبة تسمح لضحايا الاتجار بالأشخاص، في الحالات التي تقتضي ذلك بالبقاء داخل إقليمها بصفة مؤقتة أو دائمة وتولي كل دولة طرف الاعتبار الواجب للعوامل الإنسانية والوجدانية”.
وقد اعتمدت عدة دول تدابير بشأن منح الضحايا إقامة مؤقتة أو دائميه وكان لهذه التدابير تأثيرا ايجابيا في تقديم الضحايا إلى الإدلاء بشهادتهم تجاه المتجرين ومن هذه الدول:
الولايات المتحدة: بمقتضى قانون حماية ضحايا الاتجار والعنف لعام (2000) البند (107) أقرت التأشيرة المسماة (الفيزا T) لإتاحة المجال لضحايا الأشكال الحادة من الاتجار لكي يعتبروا مقيمين مؤقتين في الولايات المتحدة ويسلم القانون بان الضحايا يحتاجون إلى فرص متاحة لإعادة بناء حياتهم من دون مواجهة خطر الترحيل الذي يهددهم والذين يتلقون التأشيرة (T) من الجائز أن يصبحوا بعد ثلاث سنوات مستحقين للحصول على وضع إقامة دائمة في الأحوال التالية: –
• إذا كانون أشخاص مشهود لهم بحسن الأخلاق بطبيعتهم.
• إذا ما امتثلوا لأي طلب معقول بشأن تقديم المساعدة في التحقيق خلال فترة الثلاث سنوات.
• إذا ما كان من شأنهم أن يعانون مشقة قصوى إذا ما نقلوا من الولايات المتحدة.
ويجدر القول بان التأشيرة التي يرمز إليها بحرف (T) تدل على نقلة في سياسة قانون الهجرة والتي كانت في السابق تعامل ضحايا الاتجار باعتبارهم أجانب غير قانونين خاضعين للترحيل. أما هذه التأشيرة فتسمح للضحية بالبقاء في الولايات المتحدة لتقديم المساعدة إلى السلطات الاتحادية في التحقيق في حالات الاتجار بالبشر وملاحقتهم جنائياً. وعندما يتقرر إن الضحية قد يعاني من مشقة قصوى تنطوي على أذى غير عادي أو شديد إذا ما أعيد إلى الدولة التي ينتمي إليها يسمح حينذاك للضحية بالبقاء في الولايات المتحدة. وهذه العملية مصممة بقصد تحقيق النجاح في ملاحقة المتجرين وتوفير أقصى قدر من الحماية للضحايا على حد سواء.
– ايطاليا: تتضمن المادة (18) من قانون الهجرة رقم (286 لعام 1998) ترتيبات احتياطية بشأن أذن الإقامة المؤقتة للأشخاص المتجر بهم لإتاحة الفرصة لهم للنجاة من العنف ومن نفوذ المنظمة الإجرامية المعنية والاشتراك في برامج لتقديم المساعدات والإدماج في المجتمع. كما يتيح أذن الإقامة المؤقتة سبل الحصول على خدمات المساعدة أو التعليم أو العمالة ويكون أذن الإقامة صالح لمدة ستة أشهر ويمكن تجديده لسنة واحدة أو لفترة أطول إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.

مشاركة هذه المقالة :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

المزيد