ماجد الربيعي
يضم ميدان العقود التجارية الدولية في طبيعته فروقات ثقافية وتعدد في اللغات وتباين في القوانين، كل هذه العوامل تمثل عوائق لفهم وتفسير الالتزامات التي تبناها متعاملين التجارة الدولية. في هذا النطاق ضرورة ترابط وتحديد ووضوح قواعد التفسير يمثل أهمية خاصة بالرجوع إلى الأنظمة القانونية الوطنية هناك فروقات عديدة في أساليب تفسير العقود، ففي بعض القوانين يفرض المشرع على القاضي البحث عن الإرادة المشتركة لطرفي العقد، وفي بعض القوانين تكون الأولوية للمعنى الصريح للشروط التعاقدية، والنتائج المادية لانعقاد العقد. وقوانين أخرى تفرض البحث عن إرادة الأطراف المعبر عنها من خلال المصطلحات المستعملة في العقد هذا التنوع والاختلاف بين قواعد تفسير العقد في القوانين الوطنية خلق نوعا من عدم الوضوح والاستقرار في العلاقات التجارية الدولية، وعليه وجود قواعد تفسير موحدة كضرورة أولية يسمح لأطراف العقد، القاضي والمحكم أن يحددوا بشكل أكثر دقة الحقوق والالتزامات التي يتضمنها العقد. وقد بدأت محاولات توحيد قواعد تفسير العقود مطلع القرن العشرين إلى غاية ظهور ما يسمى بقانون التجار الدولي هذا الأخير الذي مثل مجموع القواعد المادية الموحدة التي تنظم العلاقات التجارية الدولية، حيث توّجت تلك المحاولات بمجموعة من الاتفاقيات الدولية لعل من أهمها اتفاقية فيينا المتعلقة بالبيع الدولي للبضائع. هذه الخيرة تناولت مسألة تفسير الشروط التعاقدية التي تدخل في نطاق تطبيق الاتفاقية وإثبات عقد البيع الدولي. ونعرض في مبحثين على التوالي قواعد التفسير، ثم لإثبات عقد البيع الدولي للبضائع.
المبحث الأول
قواعد التفسير وفقا لاتفاقية فيينا لعام 1980
تفسير أحكام الاتفاقية: تنص المادة 7 من اتفاقية فيينا في فقرتها الأولى على أنه: ” في تفسير هذه الاتفاقية يؤخذ في الاعتبار طبيعتها الدولية والحاجة إلى تحقيق التوحيد عند تطبيقها، ومراعاة حسن النية في التجارة الدولية “ويقصد هذا النص تفادى الرجوع إلى القوانين الوطنية لتفسير أحكام اتفاقية فيينا ولتحقيق الهدف منها من بلوغ التوحيد، لأن الرجوع إلى القوانين الوطنية عند عرض النزاع على المحاكم للدول المختلفة من شأنه أن يعطى تفسيراً مختلفاً لأحكام الاتفاقية. ويختلف بالتالي أسلوب تطبيقها من دولة إلى دولة، الأمر الذي يخرج بالاتفاقية عن أهدافها وهي التوحيد الدولي المنشود لأحكام عقد بيع البضائع، لذلك حرص نص المادة 7/1 من الاتفاقية على ضرورة مراعاة أسس ثلاثة عند تفسير أحكامها:
1) الطبيعة الدولية للاتفاقية. وذلك حتى لا تتوسع المحاكم في الرجوع إلى قوانينها الوطنية.
2) الحاجة إلى تحقيق التوحيد وهذا الأساس الذي ورد في المادة 7/1 يحث بوضوح على التحرز عند تفسير الاتفاقية من الرجوع إلى أحكام القوانين الوطنية لأن من شأن هذا الرجوع ألا يتحقق توحيد قانون التجارة الدولية بشأن البيع الدولي للبضائع، أما التمسك بهدف التوحيد فإن من شأنه أن يحصر المفسر لأحكام الاتفاقية في نطاق نصوصها والأسس التي تقوم عليها.
3) مراعاة حسن النية في التجارة الدولية. ويقضى هذا المبدأ بأن يراعى عند تفسير الاتفاقية الأخذ بما يحقق مصلحة التجارة الدولية وما تتطلب من أن يسود بين أطراف العلاقة التجارية الدولية مبدأ حسن النية. وتهدف الاتفاقية أيضا بإيراد هذا الأساس إلى تفادى لجوء المحاكم إلى الرجوع إلى قوانينها الوطنية عند تفسير أحكام الاتفاقية.
القاعدة الواجبة التطبيق على المسائل التي أغفلت الاتفاقية تنظيمها:
تضمنت المادة 7/2 نصا يقضى بتحديد القاعدة التي تطبق على المسائل التي نظمتها الاتفاقية بالنص على أن: ” المسائل المتعلقة بالموضوعات التي تحكمها هذه الاتفاقية ولا يوجد بشأنها نص صريح، يقضى فيها وفقا للمبادئ العامة التي تقوم عليها، وعند عدم وجود هذه المبادئ، يقضى فيها وفقا للقانون الواجب التطبيق حسبما تشير قواعد القانون الدولي الخاص “. ويتعرض هذا النص للحالة التي يُعرض فيها أمام المحاكم الوطنية نزاع يثير تطبيق الاتفاقية كالتزام البائع بتسليم بضاعة من النوع المتفق عليه بين طرفي عقد البيع، فهذا الالتزام يدخل ضمن نطاق الاتفاقية، فإذا طلب المشترى إبطال العقد على أساس الغلط في صفة جوهرية للبضاعة محل البيع، فإن هذه المسألة لم تنظمها اتفاقية فيينا، ففي هذه الحالة يقضى فيها وفقا للمبادئ العامة التي تقوم عليها هذه الاتفاقية، وهذه المبادئ وان لم ينص عليها صراحة فيها، فمن اليسير أن نستخلصها من مجموع نصوص الاتفاقية ومن الأعمال التحضيرية لها، والمناقشات التي دارت في المؤتمرات الدولية التي تولت إعدادها، ومنها الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة، ومراعاة التوازن بين التزامات طرفي البيع، والنظر إلى صالح التجارة الدولية، والتضييق من أجازه فسخ العقد عند الإخلال بأحد التزاماته. ويطابق نص المادة 7/2 من اتفاقية فيينا نص المادة 17 من القانون الموحد لاتفاقية لاهاي سنة 1964، إلا أن نص الاتفاقية قد أضاف ما لم يتضمنه القانون الموحد وهو النص على تطبيق القانون الواجب التطبيق وفقا لقواعد الإسناد التي يحيل إليها القانون الدولي الخاص، لذلك فإن اتفاقية فيينا تترك مجالا في هذه الحالة لتطبيق الحلول الواردة في القوانين الوطنية عند عدم استخلاص المبادئ العامة التي تقوم عليها اتفاقية فيينا. ويلاحظ أن المبادئ العامة التي تقوم عليها اتفاقية فيينا يمكن البحث عنها في النظم القانونية للدول المتعاقدة، بحيث نستخلص المبادئ المشتركة لهذه النظم وتعتبر بمثابة قواعد عامة للاتفاقية.
نية المتعاقد كأساس للتفسير: المفروض إنه لا محل للبحث عن نية المتعاقدين، عند وضوح عبارة العقد، وتقرر المادة 157 من القانون المدني العراقي ” لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح” فإذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين. ويبرر هذا الحكم بأن الانحراف عن عبارة العقد الواضحة فيه مخالفة للقانون، أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد فإن الفقرة الأولى من المادة 155 من القانون المدني العراقي “العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني “تقضى بأنه يجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف الجاري في المعاملات. أما فيما يتعلق بعقد البيع الدولي للبضائع، فقد أشارت المادة 8 من الاتفاقية إلى قاعدة تتعلق بتفسير التعبير عن إرادة أحد المتعاقدين سواء أكان هذا التعبير صريحاً أم ضمنياً يستخلص من سلوك أحد الطرفين المتعاقدين، لذلك فإن هذه المادة لا تتصل مباشرة بتفسير العقد مثل المادة 9 من الاتفاقية، على ما سنرى، وإنما بتفسير التعبير عن إرادة المتعاقد. على أننا نلاحظ أن لتفسير إرادة المتعاقد قبل التعاقد، أهمية بالغة عند تفسير عقد البيع الدولي للبضائع، وتجدر الإشارة إلى أنه لا محل لتفسير هذه الإرادة، كما أنه لا محل لتفسير العقد إلا عند غموض التعبير أو نصوص العقد. وتنص الفقرة الأولى من المادة 8 من اتفاقية فيينا على أن:” يكون تفسير التعبير الصادر عن أحد الطرفين أو أي سلوك آخر له، في حدود أغراض هذه الاتفاقية، وفقا لنيته التي يعلمها الطرف الآخر أو التي لا يمكنه أن يجهلها “. ويهدف هذا النص إلى تفسير التعبير الصريح عن إرادة المتعاقدين أو أي سلوك آخر يستخلص منه قانونا هذا التعبير بطريقة ضمنية، فيتم التفسير طبقاً لنية الطرف الصادر عنه التعبير متى كان الطرف الموجه إليه التعبير يعلم هذه النية أو يفترض فيه أنه يعلمها. وقد تعرضت الفقرة الثانية من المادة 8 من الاتفاقية للمعيار الذي يجب إتباعه عندما لا يثبت علم الطرف الموجه إليه التعبير بنية الصادر عنه التعبير، أو أن الأول لا يمكن أن يفترض فيه هذا العلم، وذلك بالنص على أن :” إذا لم يمكن تطبيق الفقرة السابقة، فإن التعبير أو السلوك الذي يصدر عن أحد الطرفين، يمكن تفسيره وفقا لما يفهمه شخص عاقل من نفس مستوى الطرف الآخر وفى نفس ظروفه “.ويلاحظ أن المعيار الذي أخذت به اتفاقية فيينا في التعرف على نية المتعاقدين معيار موضوعي وليس معياراً شخصياً، كما أن نص المادة 8 من الاتفاقية يعبر بوضوح عن ميل الاتفاقية إلى الأخذ بالإرادة الظاهرة أكثر من اتجاهها إلى الإرادة الباطنة، إذ تعول على النية التي يعلمها الطرف الآخر أو ينبغي أن يعلمها، فإذا لم يمكن الوصول إلى هذه النية وفقاً لهذا المبدأ، فإننا نلجأ إلى المعيار الموضوعي الذي عرضت له الفقرة الثانية من المادة 8 وهو معيار الشخص العاقل من نفس مستوى الشخص الموجه إليه التعبير وفي نفس ظروفه. ثم تعرضت الفقرة الثالثة من المادة 8 للعناصر التي يمكن الاستهداء بها للتعرف على فهم الشخص العاقل، وذلك بقولها: ” لتحديد نية أحد الطرفين أو ما يفهمه شخص عاقل، يجب أن يؤخذ في الاعتبار، ظروف الحال وخاصة المفاوضات التي تمت بين الطرفين، وأية معاملات سابقة بين الطرفين أنفسهم، وما جرى عليه العرف، وأي سلوك لاحق للطرفين “. كذلك يمكن الاستهداء، للتعرف على نية المتعاقدين بالمعاملات السابقة بينهما، وبالعرف الجاري في المعاملات، وبسلوك المتعاقدين بعد صدور التعبير عن إرادتهما. وبناءً على ذلك فإن السكوت يمكن أن يعتبر قبولا إذا كانت المعاملات السابقة بين الطرفين أو العرف الجاري في المعاملات يستدل منه على ذلك وهو ما يسمى بالسكوت الملابس.
دور العادات التجارية والتعامل السابق في تفسير إرادة الطرفين: تجعل الاتفاقية للعادات التجارية أهمية كبرى في تكوين عقد البيع، فتنص المادة 9/1 من الاتفاقية على أن:” يلتزم الطرفان بالعادات التجارية المتفق عليها بينهما وما يجرى عليه التعامل السابق بين الطرفين “.ويتبين من هذا النص أن للعادة التجارية والتعامل السابق أهمية كبرى في تفسير إرادة طرفي العقد، من ذلك مثلاً فإنه يمكن اعتبار السكوت قبولا في بعض الحالات، وهو ما يسمى بالسكوت الملابس، برغم عدم النص صراحة على ذلك في الاتفاقية، وذلك وفقا لنص المادة 9/1 متى جرت العادة التجارية في بعض الظروف أو جرى التعامل السابق بين الطرفين على اعتباره كذلك. ويظهر هنا دور العادة التجارية أو التعامل السابق في تفسير إرادة الموجه إليه للإيجاب. أما الفقرة الثانية من المادة 9 من اتفاقية فيينا فإنها تشير صراحة إلى أهمية العادات التجارية في تفسير إرادة الطرفين سواء بالنسبة لتكوين العقد أو بالنسبة لتفسير أحكام العقد ذاته، فتقرر: ” ما لم يتفق بين الطرفين على العكس، يعتبر أنهما قد اتفقا ضمنا على أن يسرى على العقد بينهما أو على تكوينه، العادة التجارية التي يعلمان بها أو يجب أن يعلما بها، والتي تكون معروفة للكافة في مجال التجارة الدولية ويراعيها المتعاقدون عادة في العقود الدولية في نفس نوع التجارة محل التعاقد “. ويعنى هذا النص أن العادة التجارية تعتبر ملزمة طبقاً لاتفاق ضمني غير ظاهر بين المتعاقدين متى كان طرفا العقد يعلمان أو يجب أن يعلما بهذه العادة، ولكن تحدد الفقرة الثانية من المادة 9 بعض المتطلبات القانونية لكي تعتبر مثل هذه العادة ملزمة للمتعاقدين وذلك باشتراط أن تكون معلومة للكافة في مجال التجارة الدولية في نفس نوع التجارة محل التعاقد ويراعيها المتعاقدون عادة في هذا المجال. ويهدف هذا النص إلى منح قيمة قانونية كبيرة للعادات التجارية السائدة في مجال التجارة الدولية في نوع معين من أنواع النشاط، على سبيل المثال في التجارة الدولية للحبوب فإن العادات التجارية التي يتبعها المتعاقدون في بيع وشراء الحبوب في السوق الدولي يجب احترامها قانوناً عند تفسير عقد بيع يكون محله هذا النوع من التجارة. ويقلل هذا النص من أهمية العادات التجارية المحلية التي تعرفها البيوع الوطنية، ولا يتبعها المتعاقدون عادة في المعاملات الدولية فهي عادات لا يمكن أن يعترف بدوليتها لأن الطرف المتعاقد الأجنبي لا يعلمها ولا يفترض فيه أن يعلمها. وترجع أهمية العادات التجارية في مجال عقد البيع الدولي إلى أنها تستمد إلزامها من الاتفاق الضمني بين المتعاقدين على الأخذ بها، وفى هذا تغلب اتفاقية فيينا إرادة الطرفين على أحكامها.
المبحث الثاني
إثبات عقد البيع الدولي للبضائع
مبدأ حرية شكل العقد: يعتبر مبدأ حرية تكوين إثبات التصرفات التجارية، من المبادئ المسلم بها في مختلف النظم القانونية. وبالرغم من أن اتفاقية فيينا تعالج البيع الدولي للبضائع وتنص صراحة على أنه لا يشترط أن يكون البيع تجارياً لكي يخضع لأحكامها، إلا أنه من المقرر أن هذه الاتفاقية تنصرف أحكامها أساسا إلى البيع التجاري الدولي، لذلك لم يكن من الغريب أن تقرر الاتفاقية مبدأ حرية كل من تكوين وإثبات عقد البيع الدولي للبضائع. وتنص المادة 11 من الاتفاقية على أن: ” لا يشترط إبرام عقد البيع ولا إثباته بالكتابة، فلا يخضع العقد لأي شرط شكلي ويمكن إثبات العقد بأي طريق من طرق الإثبات بما فيها البينة “، ومن هذا النص يبين أن عقد البيع الدولي للبضائع يعتبر وفقا للاتفاقية عقداً رضائياً وليس عقداً شكلياً، فلم تشترط لإبرام هذا العقد أن يفرغ في شكل معين.
ومن ناحية أخرى، فإن الاتفاقية قررت أيضا عدم خضوع إثبات هذا العقد لشكل معين، فهو يخضع لمبدأ حرية الإثبات فيجوز إثباته بكافة طرق الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود.
وقد جاء نص المادة 11 من اتفاقية فيينا على هذا النحو ليستجيب لحاجات التجارة الدولية، التي تتحرر من قيود الشكل عند إبرام عقد البيع الدولي.
شرط التحفظ على مبدأ حرية تكوين وإثبات العقد: إذا كان مبدأ حرية تكوين وإثبات عقد البيع الدولي للبضائع هو الأصل وفقاً لأحكام اتفاقية فيينا، فإن الاتفاقية راعت أن قوانين بعض الدول، قد تتطلب شكلاً معيناً لتكوين عقد البيع، لذلك وضعت الاتفاقية تحفظاً على مبدأ حرية شكل العقد يجيز للدول التي تأخذ به أن تطبق القاعدة التي يأخذ بها قانونها الوطني متى كان واجب التطبيق على العقد وفقاً لقواعد تنازع القوانين إذا كان هذا القانون يتطلب الكتابة كشكل للعقد. لذلك نصت المادة 12 من الاتفاقية على أن: ” لا تطبق بخصوص كل من المادة 11 والمادة 29 والقسم الثاني من هذه الاتفاقية (المتعلقة بتكوين عقد البيع) والتي تسمح بأن يتم عقد البيع أو أي تعديل أو إنهاء له بالتراضي أو بأن يصدر الإيجاب أو القبول أو أي تعبير عن الإرادة في أي شكل آخر غير الكتابة، عندما يكون مركز أعمال أحد المتعاقدين في دولة متعاقدة تكون قد أخذت بالتحفظ الوارد في المادة 96 من هذه الاتفاقية. ولا يجوز للمتعاقدين مخالفة هذه المادة أو تغيير أثرها “. ويلاحظ على هذا النص ما يأتي:
1) يشير إلى عدم تطبيق المادة 11 والتي رأينا حكمها في البند السابق والتي تقضى بمبدأ حرية شكل عقد البيع، وكذلك المادة 29 من الاتفاقية التي تقرر فقرتها الأولى أن عقد البيع يمكن تعديله أو إنهاؤه بمجرد تراضى الطرفين. بينما تقضى الفقرة الثانية منها بأن العقد المكتوب الذي يتضمن شرطاً يتطلب أن يتم أي اتفاق على تعديل أو إنهاء العقد بالكتابة فإنه لا يكفي التراضي لتعديل أو إنهاء العقد وعلى أية حال فإن سلوك أحد الطرفين يمكن أن يمنعه من التمسك بهذا النص إذا اعتمد الطرف الآخر على هذا السلوك. وكذلك يشير نص المادة 22 إلى عدم تطبيق أحكام القسم الثاني من الاتفاقية الذي يتضمن قواعد الإيجاب والقبول. أي أن النص يشير إلى عدم التقيد بأحكام الاتفاقية التي لا تشترط شكلاً معيناً للتعبير عن الإرادة عند إبرام عقد البيع إذا كان مركز أعمال أحد المتعاقدين في دولة متعاقدة أخذت بالتحفظ الوارد في المادة 96 من الاتفاقية.
2) تقضى المادة 96 من الاتفاقية بإيراد تحفظ من شأنه، أنه يجوز لأية دولة متعاقدة يتطلب قانونها أن يبرم عقد البيع أو يثبت بالكتابة، أن تعلن في أي وقت وطبقاً للمادة 12 من الاتفاقية بأن نصوص المادة 11 والمادة 29 والقسم الثاني من الاتفاقية ( المتعلق بالإيجاب والقبول ) والتي تسمح بأن يتم عقد البيع أو تعديله أو إنهاؤه بالتراضي أو أن يصدر الإيجاب أو القبول أو أي تعبير عن الإرادة في أي شكل غير الكتابة، بألا تطبق هذه الأحكام إذا كان مركز أعمال أي من طرفي العقد في هذه الدولة ( أي الدولة التي تعلن الأخذ بالتحفظ المشار إليه في المادة 96 ) . ويلاحظ أن هذا التحفظ لا يشترط لنفاذه الأخذ به عند التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها وإنما يمكن الأخذ به في أي وقت، أي تستطيع أن تعلن أية دولة متعاقدة الأخذ بهذا التحفظ حتى بعد الانضمام إلى الاتفاقية.
3) تؤكد الجملة الأخيرة من المادة 12/2 من الاتفاقية أن نص المادة 12 يعتبر آمراً فلا يجوز للمتعاقدين النص على مخالفته أو تغيير حكمه أو أثره.
المقصود بالكتابة في اتفاقية فيينا: رأينا من عرض النصوص الواردة في اتفاقية فيينا بشأن شكل العقد، أن الأصل هو حرية شكل عقد البيع والاستثناء أن تأخذ بعض الدول بالتحفظ الوارد في المادة 96 من الاتفاقية، فتطبق أحكام قوانينها التي تتطلب الكتابة كشكل لإبرام عقد البيع أو كشرط لإثباته. ويقصد بالكتابة كل محرر مكتوب صادر عن المتعاقدين. على أن معنى الكتابة في مجال قانون التجارة الدولية ووفقا للاتجاه الحديث لا يشمل فقط كل محرر مكتوب يثبت أنه صادر عن أحد المتعاقدين أو عنهما معا وذلك بتوقيعه ممن صدر عنه، بل يشمل المحرر المكتوب وفقا للمعنى الحديث في قانون التجارة الدولية أي محرر يثبت إرساله من أحد الطرفين إلى الآخر ولو لم يكن موقعاً بخط الصادر منه هذا المحرر من ذلك البرقية والتلكس. لذلك نصت المادة 13 من اتفاقية فيينا على تقنين هذا المبدأ صراحة، فتقرر أنه:
” في تطبيق أحكام هذه الاتفاقية، تشمل الكتابة، البرقية والتلكس “.
المحامي ماجد الربيعي
المدير المفوض لشركة انوار المسلة الدولية
للخدمات والاستشارات القانونية
مشاركة هذه المقالة :
Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp