التعاون الدولي في ميدان تحقيق العدالة الجنائية من خلال ارساء الولاية القضائية

ماجد الربيعي






تتطلب مكافحة المنظمات الإجرامية الضالعة في الجريمة عبر الوطنية إتباع سبل تعاونية مرنة مشتركة بين هيئات عدة واسعة النطاق على المستويين الدوليِّ والوطنيِّ على حد سواء ذلك أَن أوجه القصور في النظم الوطنية التي تعمل بمفردها، وكذلك في أنماط التعاون الموجودة حالياً أخذت تتكشف في كثير من الدول. ومن الحقائق الواضحة في هذا الصدد انه أُحرزت أفضل النتائج في الملاحقة القضائية للمجرمين. حيثما كان بمستطاع هيئات إنفاذ القانون والملاحقة القضائية أن تعمل معاً بطريقة فاعلة على الصعيد المحلي وعبر الحدود الوطنية. وتقدم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة إطار عمل للتعاون الدوليِّ في مكافحة الجريمة المنظمة عموماً ويقدم بروتوكول الاتجار بالأشخاص إطاراً أكثر تحديداً للتعاون الدوليِّ من أَجل مكافحة الجريمة المنظمة. ومن ثم فإن تنفيذ الدول الأطراف الاتفاقية من شأنه إزالة العقبات التي كانت تؤدي حتى الآن إلى الحيلولة دون تعاونها فيما بينها. وتترجم التزامات الدول بمنع الجريمة المنظمة ومكافحتها بموجب القانون الدوليِّ إلى التزامات على الصعيد الوطنيِّ باعتماد وإنفاذ تدابير تشريعية وتدابير أخرى بهدف تحقيق هذه الغاية. وهناك حالياً غالبية ملحوظة من الدول تجرم هذه الجرائم منها على سبيل المثال جريمة الاتجار بالبشر بسن قوانين لمناهضة هذا الاتجار وفي هذا الصدد فمع انه لا سبيل إلى إنكار أهمية تجريم الاتجار بالبشر هناك مجالات أخرى في القوانين الوطنية تحظى بالأهمية نفسها في السعي لإزالة الأسباب المؤدية إلى زيادة مخاطر الجريمة المنظمة. بما إن الجريمة المنظمة كثيراً ما تنطوي على بعد عابر للحدود الوطنية فان التصدي له بفاعلية يقتضي تدابير مواجهة هذه الجريمة عبر الحدود الوطنية، وعلى نحو مماثل، تبين المبادئ التوجيهية الموصى بها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والاتجار بالبشر الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ما يأتي “الاتجار بالأشخاص ظاهرة إقليمية وعالمية لا يمكن في جميع الحالات معالجتها بفاعلية على المستوى الوطني، ذلك إن تعزيز التصدي لها على المستوى الوطني غالباً ما قد ينشأ عن نقل عمليات المتجرين إلى أماكن أخرى. ويمكن للتعاون الدولي والمتعدد الأطراف والثنائي أن يؤدي دوراً هاماً في مكافحة أنشطة الاتجار بالأشخاص ويصبح هذا التعاون ذا أهمية حاسمة عندما يتم بين بلدان تتصدى كل منها لمرحلة من مراحل دورة الاتجار بالبشر تختلف عن مراحلها التي تتصدى لها البلدان الأخرى” وبغية تعزيز كفاءة عمل آليات التعاون الدوليِّ ينبغي للدول أن تركز في إقرار سريان الولاية القضائية حيث تقتضي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة من الدول الأطراف أن تعني بتأكيد سريان ولايتها القضائية بشأن التحقيق في جميع الأفعال المجرمة بمقتضى الاتفاقية وبروتوكول الاتجار بالأشخاص وملاحقتها قضائياً والمعاقبة عليها ومن الواضح جداً أَنه لابد أولاً من تأكيد سريان الولاية القضائية على الأفعال الإجرامية المرتكبة جميعها ضمن نطاق الولاية القضائية الإقليمية للبلد المعني، بما في ذلك مراكبه البحرية وطائراته وهذا ما يسمى ” بمبدأ الاختصاص الإقليمي ، حيث نصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على هذا المبدأ في المادة 15 فقرة (1) ” تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير لتأكيد سريان ولايتها القضائية على الأفعال المجرمة بمقتضى المواد 5 , 6 ,8 ,23 من هذه الاتفاقية في الحالات التالية أ- عندما يرتكب الجرم على متن سفينة ترفع علم تلك الدولة الطرف أو طائرة مسجلة بموجب قوانين تلك الدولة وقت ارتكاب الجرم “.
وقد نصت غالبية التشريعات الجنائية العربية على هذا المبدأ منها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في المادة السادسة على انه ” تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق… ” والقانون المصريِّ والقانون اللبنانيِّ والقانون الأردنيِّ والقانون السوريِّ. حيث نصت المادة الأولى من قانون العقوبات المصري على إنه ” تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه ” وقد نصت على الصيغة نفسها على وجه التقريب كل من قانون العقوبات اللبناني (م 15) وقانون العقوبات الأردني (م7/1) وقانون العقوبات السوري (م15) وقانون العقوبات الليبي (م4).

كذلك نصت التشريعات الأوربية على هذا المبدأ منها قانون العقوبات الفرنسيِّ لعام 1994 المعدل في المادة 113/2 منه ” يطبق القانون الجنائي الفرنسي على المخالفات المرتكبة على ارض الجمهورية”. ونصت المادة 3 من قانون العقوبات البلجيكي لعام 1867 المعدل على انه ” كل جريمة تقترف على إقليم المملكة من المواطنين، أو الأجانب يعاقب عليها وفقاً لأحكام القوانين البلجيكية”. وان هذا المبدأ مطبق في الدول جميعها وان لم تنص تشريعات بعضها عليه صراحة. غير إن تطبيق هذا المبدأ بمفرده وبصورة مطلقة لا يحقق الأغراض التي تستهدفها مكافحة الجريمة بالنسبة للجرائم التي يتخذ ارتكابها مظهراً دولياً أو عبر الوطنيِّ، مثل جريمة الاتجار بالبشر.
ولمواجهة هذه الأنواع من الجرائم فقد شجعت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الدول الأطراف على تأكيد سريان الولاية القضائية على أساس خارج النطاق الإقليمي والولاية خارج النطاق الإقليمي هي المقدرة القانونية لدى حكومة ما على ممارسة سلطتها على نطاق يتجاوز حدودها الإقليمية ، ويمكن ممارسة الولاية القضائية خارج النطاق الإقليمي بحيث تشمل القضايا التي يكون فيها رعايا دولة ما ، أما ضحايا أو جناة والولاية القضائية المؤكد سريانها على الأفعال الإجرامية التي ترتكب بحق رعايا الدولة إنما تستند إلى مبدأ الاختصاص الشخصي .
ولمبدأ الاختصاص الشخصي وجهان، وجه ايجابي ووجه سلبي ويعني الوجه الايجابي تطبيق النص الجنائي على كل من يحمل جنسية الدولة حتى لو ارتكب المواطن الجريمة خارج إقليم الدولة. أما الوجه السلبي فيعني تطبيق النص الجنائي على جريمة يكون المجنى عليه فيها منتمياً لجنسية الدولة ولو كان مرتكبها أجنبياً وارتكبها خارج إقليم الدولة. وقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة على هذا المبدأ إذْ أجازت لكل دولة طرف في الاتفاقية أن تؤكد سريان ولايتها القضائية على أي جرم عندما يرتكب الجرم ضد أحد مواطنيها أو عندما يرتكب الجرم أحد مواطني تلك الدولة الطرف أو شخص عديم الجنسية يوجد مكان إقامته في إقليمها. حيث نصت المادة 15 فقرة 2 من اتفاقية الأمم لمكافحة الجريمة المنظمة على أنه ” رهناً بأحكام المادة 4 من هذه الاتفاقية يجوز للدولة الطرف أن تؤكد أيضا سريان ولايتها القضائية على أي جرم من هذا القبيل في الحالات: أ- عندما يُرتكب ضد أحد مواطني تلك الدولة الطرف. ب عندما يرتكب الجرم أحد مواطني تلك الدولة الطرف أو شخص عديم الجنسية يوجد مكان إقامته المعتاد في إقليمها.”
وإذا ما كانت اغلب التشريعات الوطنية تحظر تسليم رعاياها أو الأجنبي الموجود في إقليمها فانه يجب عند ذلك تأكيد سريان الولاية القضائية على الأفعال الإجرامية التي يرتكبها أولئك في إي مكان في العالم وهذا ما نصت عليه المادة (15/3 ,4) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. حيث نصت المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة على أنه “3-لإغراض الفقرة 18 من المادة 16 من هذه الاتفاقية تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير لتأكيد سريان ولايتها القضائية على الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية عندما يكون الجاني المزعوم موجود في إقليمها ولا تقوم بتسليم ذلك الشخص بحجة وحيدة هي كونه أحد رعاياها.
تعتمد أيضا كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير لتأكيد سريان ولايتها القضائية على الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية عندما يكون الجاني المزعوم موجود في إقليمها ولا تقوم بتسليمه “. وهذا يعد تطبيقاً لمبدأ الاختصاص العالمي والذي يعرف بأنه المبدأ الذي يحق بمقتضاه لكل دولة مقاضاة مرتكبي الجرائم الخطيرة بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة وبغض النظر عن جنسية مرتكبها أو ضحاياها. ويعد مبدأ الاختصاص العالمي بمثابة اختصاص مكمل للاختصاص الإقليمي شأنه شأن الاختصاص الشخصي، إلاَّ أن علة العقاب وفقاً للاختصاص الشخصي تستند إلى فكرة السيادة المطلقة للدولة، وأنها تلحق رعاياها أينما وجدوا، في حين إن العقاب وفقاً للاختصاص العالمي فهو مقرر لمصلحة الدولة التي تقضي على المجرم استناداً إلى فكرة التعاون بين الدول لمكافحة هذه الجرائم وحماية المصالح المشتركة بين الدول. فالدولة التي تعاقب على هذه الجرائم والتي تمارس اختصاصها العالمي لا تستند إلى حقها في السيادة المطلقة لكنها تمارس هذا الاختصاص بقصد حماية مصلحة البشرية جمعاء. ومبدأ الاختصاص العالمي كان محل عناية المجتمع الدوليِّ فقد كان لمؤتمر توحيد قانون العقوبات الأول المنعقد في فارسوفيا سنة 1927 الفضل في جمع الجرائم الخاضعة لهذا الاختصاص وتقرير العقاب بغض النظر عما ينص عليه قانون محل الجريمة أو القانون الشخصي للمجرم.
وفي عام 1930 انعقد المؤتمر الثالث لتوحيد قانون العقوبات في بروكسل إذْ افرد لكل جريمة من هذه الجرائم فصلاً خاصاً وأصدر قرارات بشأنها من حيث تعريفها وتفاصيلها والتي كانت تمثل مجموعة من الجرائم من ضمنها جريمة الاتجار بالرقيق والنساء والأطفال، وفي عام 1933 قررت الجمعية العمومية للمعهد الدولي للقانون المقارن إن كل دولة لها الحق في العقاب على الأفعال التي يقترفها أجنبي خارج إقليمها ولو ضد أجنبي آخر إذا كانت هذه الأفعال تكون جريمة وفقاً لقانونها وكان المتهم موجود على إقليمها ولا يمكن تسليمه. وقد قصر قرار الجمعية هذا الحق على الجرائم الخطيرة التي تمس المصالح العامة للإنسانية منها جرائم الاتجار بالرقيق والنساء والأطفال. بالإضافة إلى هذه المؤتمرات الدولية فقد عقدت اتفاقيات دولية نصت صراحة على مبدأ الاختصاص العالمي منها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949(2), حيث نصت في المادة (146) على انه ” يتوجب على الدول المتعاقدة أن تتخذ التدابير التشريعية اللازمة لفرض عقوبات فعالة على الأشخاص الذين يرتكبون أو يأمرون بارتكاب إحدى المخالفات الخطرة لهذه الاتفاقيات ويلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين بارتكاب مثل هذه المخالفات وتقديمهم للمحاكمة مهما كانت جنسيتهم….. “. أي أن اتفاقية جنيف قد أوجدت حلاً مناسباً ودولياً لمحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم الدولية حيث يمكن لأية دولة طرف في الاتفاقيات ملاحقة ومحاكمة من يتورطون في الجرائم الدولية بصرف النظر عن مكان وزمان ارتكاب الجرائم أو جنسية مرتكبيها مما يجعل للقانون الداخلي صلاحية ملاحقة من يرتكبون الجرائم الدولية بقصد عدم إفلاتهم من العقاب. مما سبق يتضح أن القانون الدولي قد نص على تطبيق مبدأ الاختصاص العالمي مثال ذلك القانون البلجيكي, فقد اصدر المشرع البلجيكي في 16/6/1993 قانون خاص بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الصادرة في 12/8/1949 والبروتوكولين الأول والثاني المعتمدين في 8/6/1977 ، إذ منح هذا القانون المحاكم البلجيكية ولاية قضائية عالمية تتيح لها الاختصاص بالنظر في قضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف والبروتوكولين الأول والثاني المصادق عليهما من قبل بلجيكا وتم تعديل القانون المذكور في 10/2/1999 وأطلق عليه اسم القانون الخاص بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وبموجب هذا التعديل تم توسيع نطاق قانون عام 1993 ليشمل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أيضا ونصت الفقرة (1) من المادة (7) بوضوح على الاختصاص العالمي للقضاء البلجيكي فيما يخص الانتهاكات الواردة في القانون, ولكن نتيجة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية على بلجيكا الغى مجلس النواب البلجيكي القانون المذكور أنفا في 30/7/2003 واستبدله بقانون آخر يقصر حق رفع الدعوى ضد مرتكبي هذه الجرائم على مواطني بلجيكا أو المقيمين فيها. وتتمثل الضغوط الإسرائيلية في قيام إسرائيل باستدعاء سفيرها في بلجيكا وشن حملة إعلامية ضدها وجاءت هذه الضغوط نتيجة لرفع دعوى أمام المحاكم البلجيكية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون عن جرائم الإبادة المرتكبة في صبرا وشاتيلا. أما الضغوط الأمريكية فقد تمثلت في تهديد حلف الأطلسي في بروكسل إلى جانب ممارسة الضغوطات الدبلوماسية والإعلامية وهذه كانت نتيجة لرفع دعاوى في المحاكم البلجيكية ضد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب ووزير خارجيته كولن بأول باتهامهم بهجوم بقنابل في حرب الخليج الثانية عام 1991 ورفع دعاوى جديدة تتعلق بالحرب على العراق في عام 2003.
وان هذا المبدأ يطبق على الجرائم الدولية والجرائم عبر الوطنية. وقد سار على هذا الاتجاه اغلب التشريعات الوطنية فقد نصت بعض التشريعات على تطبيق الاختصاص العالمي على الجرائم عبر الوطنية ونص البعض الآخر منها على تطبيق الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية ونصت قوانين بعض الدول صراحة على الجرائم الدولية بوصفها من الجرائم التي يسري عليها مبدأ الاختصاص العالمي. منها على سبيل المثال القانون البلجيكي, فقد اصدر المشرع البلجيكي في 16/6/1993 قانون خاص بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الصادرة في 12/8/1949 والبروتوكولين الأول والثاني المعتمدين في 8/6/1977 ، إذ منح هذا القانون المحاكم البلجيكية ولاية قضائية عالمية تتيح لها الاختصاص بالنظر في قضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف والبروتوكولين الأول والثاني المصادق عليهما من قبل بلجيكا وتم تعديل القانون المذكور في 10/2/1999 وأطلق عليه اسم القانون الخاص بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وبموجب هذا التعديل تم توسيع نطاق قانون عام 1993 ليشمل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أيضا ونصت الفقرة (1) من المادة (7) بوضوح على الاختصاص العالمي للقضاء البلجيكي فيما يخص الانتهاكات الواردة في القانون, ولكن نتيجة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية على بلجيكا الغى مجلس النواب البلجيكي القانون المذكور أنفا في 30/7/2003 واستبدله بقانون آخر يقصر حق رفع الدعوى ضد مرتكبي هذه الجرائم على مواطني بلجيكا أو المقيمين فيها. وتتمثل الضغوط الإسرائيلية في قيام إسرائيل باستدعاء سفيرها في بلجيكا وشن حملة إعلامية ضدها وجاءت هذه الضغوط نتيجة لرفع دعوى أمام المحاكم البلجيكية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون عن جرائم الإبادة المرتكبة في صبرا وشاتيلا. أما الضغوط الأمريكية فقد تمثلت في تهديد حلف الأطلسي في بروكسل إلى جانب ممارسة الضغوطات الدبلوماسية والإعلامية وهذه كانت نتيجة لرفع دعاوى في المحاكم البلجيكية ضد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب ووزير خارجيته كولن بأول باتهامهم بهجوم بقنابل في حرب الخليج الثانية عام 1991 ورفع دعاوى جديدة تتعلق بالحرب على العراق في عام 2003. وبعضها الآخر استند إلى الاتفاقيات الدولية الموقعة أو المصادق عليها والتي تدعو إلى تطبيق مبدأ الاختصاص العالمي على هذه الجرائم سواء بإيراد نص في القانون العقابي أو الاكتفاء بقانون المصادقة عليها. منها قانون العقوبات للجمهورية الإيرانية الإسلامية رقم 85 لسنة 1991 في المادة (8) التي نصت على ” تطبق قوانين الجمهورية الإيرانية الإسلامية على كل من يرتكب خارج إيران جريمة وفقاً لقانون خاص أو اتفاقيات دولية إذا تم القبض عليه في إيران”.
ولم تكتف بعض الدول بالنص في تشريعاتها على تطبيق مبدأ الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية فحسب بل طبقته من خلال محاكمها الوطنية على شخصيات بارزة أمثال بنوشيه. ولعل أهم تطبيق للاختصاص العالمي كان في قضية الرئيس التشيلي الأسبق الجنرال ( الموستو بينوشيه augusto-pinoshet) عندما ألقت السلطات البريطانية القبض عليه ليلة 16/10/1998 بناءً على مذكرة توقيف صادرة من المحكمة الاسبانية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية إثناء فترة حكمه التي دامت 17 عاماً ( 1973-1990) ثم قدمت اسبانيا طلباً رسمياً بتسليم بينوشيه إليها وطعن بينوشيه في أمر اعتقاله بدعوى انه يتمتع بحصانة من الاعتقال والتسليم لبلد آخر باعتباره رئيس دولة سابقاً ولكن مجلس اللوردات البريطاني وهو أعلى محكمة في بريطانيا رفض مزاعم الحصانة التي قدمها بينوشيه لمرتين فقضى في الحكم الأول الذي ألغاه فيما بعد بان رئيس الدولة السابق يتمتع بالحصانة فيما يخص الأفعال التي يقوم بها في إطار ما يؤديه من وظائف باعتباره رئيساً للدولة ولكن الجرائم الدولية مثل التعذيب والجرائم المرتكبة
ضد الإنسانية ليست من وظائف رئيس الدولة أما الحكم الثاني فقد أفتى مجلس اللوردات بأنه مادامت بريطانيا وشيلي قد صادقتا على اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة فليس من حق بينوشيه إن يطالب بالحصانة من المحكمة فيما يخص التعذيب ومن ثم حكم احد القضاة البريطانيين بجواز تسليم بينوشيه إلى اسبانيا بناءً على اتهامه بارتكاب جرائم التعذيب والتآمر لارتكاب جرائم التعذيب إلا إن الفحوص الطبية التي أجريت على بينوشيه أظهرت فيما قيل انه لم يعد يتمتع بالأهلية العقلية اللازمة لمحاكمته ومن ثم تم الإفراج عنه في آذار 2000.

مشاركة هذه المقالة :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

المزيد